٠١‏/١١‏/٢٠١٠

الجيش العربي الأردني



طوبى لهم هؤلاء الذين ظاهروا على الحق، وجاهدوا على أسوار القدس واكناف القدس في حربي 1948 و 1967.
طوبى لهم أهلنا، فقد كانوا خرجوا من بيوتهم في اربد والرمثا و معان و الكرك والغور قاصدين الشهادة في أرض الرباط التي بارك الله فيها وحولها. استظلوا رايات الجيش العربي المصطفوي وسجلوا في تاريخ هذه الأمة فصولا من الضياء والغضب الساطع.
منهم من فاز بالشهادة ومنهم من ينتظر ويحدثنا اليوم عن رحلته تلك، الى الجنة.
يرحمه الله استاذنا الكبير سليمان عرار. فمن موقعه على رأس (الرأي) هذا المنبر الوطني العالي كان قالها (كلنا فلسطينيون من أجل فلسطين، وكلنا اردنيون من أجل الأردن).


ومن هذا المنبر نفسه نستحضر اليوم وبالتفاصيل، ذكريات أهلنا الذين خاضوا في فلسطين، أرض التين والزيتون واولى القبلتين، حربي الدفاع عن بلد اليقين. فيهما سجلوا بطولات لم تأخذ حقها من التوثيق ومن الاضاءات الانسانية المجلّله بالفخر والثواب.
في مثل هذا اليوم من كل اسبوع، ستكون لنا هنا إطلالة عزّ نستحضر فيها ذكريات أهلنا الذين شاركوا في حربي فلسطين 48 و 67 ... نجلس في حضرتهم ونستمع لهم ونجدد معهم أحاسيس البطولة في زمن نأمل ان لا يطول قحطه.



الوكيل محمد حنيان العون .. آمر فئة في كتيبة الدبابات الخامسة في الكرامة 68



قبل 5 حزيران أسقطت طائرة بين القدس وبيت لحم برشاش 500



ملك التل - محمد حنيان عرسان العون، من عشيرة السردية مواليد عجلون عام 1934 وسكان صبحا في محافظة المفرق. درس فيها عام 1945 الابتدائية لغاية الصف الثالث ،وبعدها انتقلت أسرته إلى فلسطين وكان ذلك في عام 1947 بحثا عن الماء للحلال والأغنام، وبعد سنة عادت الأسرة مسقط رأسها في صبحا. وفي بداية الـ 1949 جاء للقرية آنذاك مدرس من سورية الشقيقة واسمه عيسى لتعليم أبناء القرية اللغة العربية والحساب وبعد عام تركهم وغادر لوطنه.
لم تتابع دراستك؟
لا .. كنت اتمنى ذلك كما تمنيت دخول الجيش العربي الأردني كعسكري وكنت حينها في الـ 17 من عمري.
ماذا كنت تعرف عن الجيش؟
احببت الجيش دون ان اعرف عنه شيء، ولم يكن دخولي لسبب مادي فوضع أسرتي كان جيدا ، وبعد انتسابي بوقت قريب ادركت قوة الجيش وعزمه وتضحيته في سبيل الله والحق والواجب . ففي 1/5/1953، سجلت في مركز تدريب الدروب، وبعد سنة تدريب اشتملت، ثقافة وأسلحة وسواقة ومدفعية تخرجت في 1/8/1954 الى كتيبة المدرعات الثانية ، وكان قائد الكتيبة انجليزي اسمه (جيم دان لاند)، بعدها غادر واستلم مكانه (ستريك لاند)، كان ذلك في عهد جون كلوب باشا، وأذكر أثناء وجودنا في مركز التدريب كان لدينا درس دين، والمعلم اسمه سميح رحمه الله، فزارنا سيادة الشريف ناصر بن جميل وكان برتبة ملازم أول، فعندما عرف أنه درس دين سألنا عن كيفية الوضوء والصلاة وأخبرناه، فقال لنا: يا شباب هل تستطيعوا ان تزكوا من راتبكم؟ وحينها راتب الجندي 92 قرشا ونصف القرس في الشهر، فقلنا: نعم نستطيع. فقال لنا: كل يوم أو كل شهر أعطوا قرشين ونصف لإنسان محتاج حتى يبارك الله براتبكم.. فكان سيادة الشريف يحثنا على مساعدة المحتاجين وفعلا كانت كلمته تلك بمثابة عهد قطعته على نفسي ومن يومها حتى الآن بفضل الله اواظب على المساعدة بقدر ما استطيع.
وبعد؟
من كتيبة المدرعات الثانية السرية الثالثة انتقلت إلى الكتيبة الرابعة، وأصبح لدي هدف اكبر بأن أترفع لأكون كزملائي الذين سبقوني، فدخلت الفحص في شهر 11 عام 1956، ونجحت وفي 1/1/1957 ترفعت إلى جندي أول، وفي 1/10/1958 ترفعت إلى عريف، وبقيت «عريف» لمدة خمس سنوات، خلال هذه الفترة وتحديدا في عام 1955 مرت على الأردن احداث كثيرة ومتعددة منها زيارة تمبلر قائد قوات الشرق الأوسط في بريطانيا الى الأردن، بهدف ابعاد الأردن الانضمام لحلف بغداد علماً بأن الدول التي دخلت في حلف بغداد استفادت من الحصول على الأسلحة، من مدفعية ودبابات وطيران. ومن الأحداث الاخرى التي مرت على البلد استشهاد هزاع المجالي رحمه الله.
استعداداتكم قبل 5 حزيران؟
في شهر 11 من العام 1956كنا في قطاع الخليل، 1956 وبقينا في الضفة الغربية إلى حين أن بدأت الحرب. في هذه الفترة كنت في دورة في الزرقاء وبعدها التحقت بالجيش في منطقة السموع، ومن السموع قمت بتحريك دبابة لقائد السرية إلى القدس، وانتقلت للفئة الأولى آمر دبابة، وصارت معركة طيران بيننا وبين العدو فأنزلت الطائرة وكانت معنوياتنا عالية جدا حيث لم نشاهد على الأرض يهودا أو قوة أرضية.
ثم؟
لأننا لم نستطع مقاومة الطائرات التي كانت تحوم فوق رؤوسنا وبمستوى الاسلحة التي كانت بحوزتنا انسحبنا، وخلال انسحابنا تدهورت دبابة وانقلبت، فأنقذتها وأسعفت من كان بداخلها وبالنسبة لباقي الدبابات تركناها لعدم توفر الوقود لدينا وفي وقت المغرب تركت دبابتي، وكنت تابع للكتيبة العاشرة ملحقين إسناد للواء حطين آمر دبابة في ذلك الوقت. وأذكر في الأثناء جاءني المقدم عواد شهاب السرحاني وطلب مني أن أركب سيارة الروفر، لكنني رفضت ترك دبابتي، فقال لي: انتهت الأمور فاركب في الروفر.. ورغم اصراري بداية إلا أنني ركبت معه، ووصلنا الضفة الشرقية حوالي الساعة التاسعة مساءً. وكان معي جنديين اثنين. ووصلنا الزرقاء الساعة الثانية عشرة مساءً، وفي اليوم الثاني أصبحنا نلتقط الأخبار لمعرفة الجرحى والشهداء في المعركة، ومن ضمن الجرحى كان شقيقي سفاح حيث جرح في القدس وهو برتبة شاويش وقد تم اسعافه في مستشفى (الهوسبيس) في القدس.
وفي السموع؟
كان ذلك قبل بداية حرب حزيران عندما أسقطت طائرة بين القدس وبيت لحم، في مركز دير مار إلياس، وكان الدير مهجورا، حيث كنا هناك الساعة العاشرة تقريباً، عندما جاءتنا غارات جوية إسرائيلية، فتحركت بدبابة لقائد السرية بهجت هزير، واستطعت أن التقطت مخابرة الساعة الثانية انسحاب للخط الثاني، هذا الكلام كان مساء الثلاثاء، صباح الأربعاء، فأوصلت الدبابة لماري إلياس، وسلمتها لقائد السرية وطلب مني طارق زريقات من الكرك بأن ألتحق بالفئة الأولى آمر دبابة، فالتحقت بها واستطعت أن أسقط الطائرة في رشاش 500.
ايضاً؟
طلبت من قائد كتيبة الدبابات الخامسة المقدم خليف عواد السرحان بأنني رغبتي بالانتقال من المشاة والالتحاق بكتيبته، لأن ابن عمي مسهوج العون استشهد في النبي موسى، وكنت أريد أن اثأر له، وكنا حينها في الزرقاء، فرحب بي ونقلني الى كتيبتة.
أخذت بثأر ابن العم؟
لا .. عدنا إلى شمالي عمان، وكان الطيران الاسرائيلي فوق الكرامة بكثافة .سرناعن طريق ناعور، ووصلنا إلى قهوة حنا وهناك حصل الاشتباك بيننا وبين العدو بالدبابات
ماذا بعد الــ 67؟
جاءت معركة الكرامة في يوم 21/3/1968 وكان يوم خميس، فكانت المسافة بين معركة الـ67 ومعركة الكرامة حوالي 8 أشهر، فلم يكن لدينا سلاح متوفر، فقمنا بإعادة التنظيم شمالي عمان لحين أن اكتملت كتيبتنا، وتحركنا للجامعة الأردنية ومنها إلى الغور، والدبابات الثالثة كانت قد استلمت الواجب قبلنا، فنحن نزلنا مساندة للدبابات الثالثة، حيث كان الكثير منها قد استشهد ومنهم من جرح.. وكان لواء 40 يقوم بتجهيزه وإعادة تنظيمه في الزرقاء، حيث كان هذا اللواء شبه منته ولا يوجد لديه سلاح، وبعدها عاد كما كان عليه.
في كتيبة الدبابات الخامسة، وكان قائد الكتيبة خليف عواد ، وقائد السرية محمود أبو وندي، وقائد فئتي الشهيد محمد هويمل الزبن ملازم أول وعريف الفئة عتادة فنزلنا من عند قهوة حنا، ولم يبق إلا هذه الدبابة، فقاتلت بها ما استطعت من قوة واستطعت تدمير ثلاث دبابات للعدو على مثلث الشونة.
دمرت وقتل من فيها؟
لا أستطيع القول بأنني أصبتها مائة بالمائة، لكنني رأيت قطعها تتطاير منها.
وفي مرحلة ثانية قمت بهجوم فاقترب من جنود اليهود لسحب احدى دباباتهم والتي كانت أمامي، فضربت الدبابة التي جاءت لتسحبها، فقطع الجنزير، فتطاير جنود وضابط العدو في الهواء ووجدنا ذراع الضابط وساعته. من هنا تقدمت وإذا بجندي أردني يخبرني بأن فاضل علي فهيد مجروح من الساعة السادسة والنصف صباحاً وهو في حالة خطرة جدا فذهبت اليه وكان ملقى على الأرض،وامعائه خارج بطنه فطلبت من محمود أبو وندي عن طريق الجهاز وأذكر مخاطبتي اللاسلكية في تلك اللحظة: «2 آدم إلى 9 أرسل عقرب لإنقاذ قمر سيف 1 كرم درع 3». هذا رمز لاسلكي بيننا. فأعطيت كلاما مفهوما لقائد السرية، والعقرب تعني الطبيب أو الإسعاف، قمر تعني قائد السرية، سيف 1 السرية الأولى، وكرم درع 3 هي كتيبة الدبابات الثالثة . جاءت المجنزرة التي أرسلها محمود أبو وندي على الفور، وبمساعدة الجنود حملناه للمجنزرة.. وبعدها لاحظت دبابة في الجهة الجنوبية قد دمرت دبابتين من دباباتنا فسددت عليها، وقلت للمدفعي علي الحموري من بيت راس، وكان ممتاز في التسديد، قلت له بأن يسدد بشكل صحيح، وقام بالتسديد وقمنا بأطلاق أول قذيفة والتي أخذت جسما من الدبابة لكن لم نصبها إصابة قاتلة لكن عرفنا المسافة مائة بالمائة، وفي المرة الثانية قامت الدبابة المقابلة بتوجيه المدفع عليّ فوضعت القنبلة بين جسم البرج وجسم الدبابة، فهذه المنطقة قاتلة في الدروع فهي تعطل الأعداد والبرج والآمر لا يعلم ماذا يفعل، وفعلاً أصبته إصابة مباشرة، ودمرنا الدبابة وقطعنا كتف الضابط في تلك الدبابة، وكان قائد الكتيبة المقدم هارون بيلد. بعدها انحرفت إلى اليمين وقام اليهود بالالتفاف عليّ بثلاث دبابات، والمقدم الذي قطعت كتفه، حيث أتتنا المعلومات لاحقاً من استخباراتنا، وإذا بالمقدم هارون بيلد يصف المعركة بيني وبينه ويقول: لعبت أنا والأردني لعبة القط والفأر، وحقاً إنها لعبة غير لطيفة، ولا أعلم هل المدفعي روبين نفذ أمري الأخير أم لا.. فعندما أصبت هذه الدبابة خرج اليهود من مزرعة غرب القهوة طائشين، حيث تبين أن القائد هو الذي تمت إصابته.. فهذا المقدم وصف المعركة بشكل صحيح.. بعدها انسحبوا إلى الشونة، وعندها تحول واجبي إلى انقاذ الجرحى اسعفت الجندي ابراهيم الذي قطعت قدمه واستشهد نايل مليح.
انتهت المعركة؟
انتهت المعركة وجاءني قائد الكتيبة وقائد السرية وشكروني على ما فعلت.. كنت أريد أن ألحق بالشهيد نايل مليح، لكن قائد الكتيبة أخبرني بقيادة الكتيبة الأولى والرابعة لأقوم بتركيزها في الخنادق الرئيسية خوفاً من هجوم معاكس.. فكانت هذه وظيفة الضباط، لكن لم أكن أعلم بأن قائد فئتي قد استشهد، وكان ذلك في وقت المغرب، والملازم الثاني جمال علي اخبرني بسحب الفئتين فقدتهما 48 ساعة لحين أتى الضباط واستلموهما، وانتهت معركة الكرامة بالنصر ومنحت وسام الإقدام.
من شارك من الجيوش العربية في الكرامة؟
الجيش العربي الأردني فقط.
والفدائيين؟
في منطقتي التي قاتلت بها في الراما والكفرين لم أرى أي فدائي نهائياً، من شارك منهم في الحرب كانوا في منطقة الشونة وشمالها.
كم شهيد من كتيبتكم في الكرامة؟
استشهد معي اثنين قائد الفئة الملازم أول محمد هويمل الزبن وجندي أول حسن عبدالله وهو سائق الدبابة، وكسرت قدم الحويطي، وعريف آخر جرح، هؤلاء في فئتي، ومن الفئة الرابعة استشهد جندي أول نايل مليح ، وقطعت قدم الجندي إبراهيم.
مشاهداتك في معركة الكرامة؟
شاهدت شيئا واحدا، وادركته تماما وآمنت بان اليهود لولا طيرانهم والغطاء الجوي المكثف لن يستطيعوا أن يواجهوا الجيش العربي الأردني ابدا . فعندما انقطع الطيران عندهم، حيث اجتزت أنا المنطقة الخضراء واقتربت منهم، الطيران الاسرائيلي حينها لم يعد قادراً على قصفي، فهجوا مثل الغنم من أمامي، فاليهود بدون غطاء جوي لا يقاتلون، ولو كان لدينا غطاء جوي حينها أقسم بأننا سنصل القدس.
هل أصبت في المعركة؟
لا.. لم أصب في المعركة.
تمنيت الشهادة في الـ 67أم في الـ68؟
عندما أمرت من قبل قائد الفئة محمد الزبن أن أكون أول دبابة تدخل المعركة، حيث كانت أرض المعركة بها ألغام كثيرة، اليهود كانوا أمامي بالدبابات، والطائرات كانت من فوقي، حينها رفعت رأسي إلى السماء وقلت: يا الله رضاك ورضا الوالدين، وسترك في الدنيا والآخرة، اللهم ارزقني الشهادة في سبيل الله والوطن.. فهذه طلبتها من رب العالمين، ولله الحمد أعطاني ربي الستر في الدنيا ولم أحصل على الشهادة وكم تمنيتها.
هل من مفارقات بين الـ67و68؟
في الـ67 كانت معنويتنا عالية جداً لغاية يوم الأربعاء عندما جاء أمر الانسحاب حيث تأثرنا وانهارت معنوياتنا ، لكن في معركة الكرامة كنا متعطشين ومعنوياتنا حدها السماء وانتصرنا بفضل الله وغلبنا الجيش الذي لا يقهر وعاد مهزوما بدرس لن ولن ينساه لألف جيل قادم.
متى تقاعدت؟
في 15/11/1974برتبة وكيل بعد 21سنة خدمة.
لو عادت بك الأيام ، تختارالعسكرية أيضا؟
نعم فهي شرف وقوة وايمان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق